فلسطين أون لاين

تكنولوجيا بلا أقفال وملوثات مجتمعية تسرق براءة الأطفال

...
صورة تعبيرية
غزة/ هدى الدلو:

لطالما ارتبطت البراءة بالأطفال وبملامح وجوههم وضحكاتهم وعفويتهم وصفاء قلوبهم، أما اليوم فقد باتت هذه الصفة الجميلة بعيدة نسبيًّا عن بعض الأطفال بالنظر إلى سلوكياتهم، ولكن ما السبب وراء ذلك؟ ومن المسؤول عن قتل براءة الأطفال؟ هل هم الأهل أم البيئة المحيطة، أم الاثنان معًا؟

هيا مسعود أم لأربعة أبناء، تجد أن تمتع الأطفال بالبراءة بات شبه معدوم في ظل انفتاحهم على العالم، وعالم تكنولوجي بلا أقفال يفتح محتواه على مصراعيه أمام الأطفال، مشيرة إلى أن الإنترنت أول سارق لبراءة الأطفال دون انتباه أو إدراك من الأهل بتركهم أمام شاشات الهاتف دون حسيب أو رقيب.

وتشير إلى أن ذهاب بعض الأمهات إلى اختيار ملابس لا تتوافق مع الثقافة المجتمعية لأطفالهم تجعل الطفل يتخلى عن جزء من براءته، هذا إلى جانب مجالسة الأطفال للكبار وتلصصهم على الأحاديث ليتحدثوا فيها أمام الآخرين.

أما نورا عامر فتجد أن أساليب التربية المستخدمة باتت مختلفة، مشيرة إلى أن الجهد الذي بذله والداها في تربيتها وإخوتها لم تؤثر فيه عوامل خارجية كبيرة كالذي يحدث اليوم، وتقول إن الجهد الذي يبذله الآباء اليوم كبير جدًا في محاولة تنشئة أبنائهم نشأة تعكس الثقافة الإسلامية والفلسطينية، إلا أنها يجدون ما يخدش براءتهم.

ملوثات خارجية

لكن ما الذي قد يخدش براءة الأطفال بخلاف ما أشارت إليه السيدتان عامر ومسعود؟ هنا يبدأ الاختصاصي النفسي د. إياد الشوربجي، حديثه بالمتخيل في العقل الباطن عن براءة الأطفال التي منها الابتسامة الجميلة، والضحكة الصادقة، والنية الصافية، والتلقائية والطيبة، أي الصورة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها الطفل في فطرته دون الملوثات الخارجية.

ويشير إلى أن ملوثات المجتمع قد تجعل الطفل يفقد البراءة، وهناك الكثير من العوامل التي تتسبب في فقدانه ومن أهمها فقدان الطفل لعنصر الأمان في الأسرة نتيجة الخلافات الأسرية، وسوء العلاقة بين الوالدين، والتعامل القاسي مع الطفل، والأجواء المتوترة في البيت، فهي تؤثر في الصحة النفسية للطفل وتجعله في حالة تأزم نفسي وتتراجع صحته.

ومن العوامل التي تفقد الطفل لبراءته، يشير الشوربجي إلى زج الطفل في الخلافات الأسرية وجعله جزءًا منها وتحميله المسؤولية ليشارك في الحقد الأسري ونقل الكلام وغيرها من السلوكيات السلبية، إضافة إلى إهمال الطفل عاطفيًّا ونفسيًّا وتجاهله باستمرار، واستخدام عبارات الإهانة والاستهزاء وتحقيره والتقليل من قدره أنت فاشل وسيئ.

ويقول: "أيضا ثمة أساليب تربوية تفقد الطفل براءته، كالتذبذب في المعاملة والتمييز بين الأشقاء، وهنا يكون الأبوية مساهمين في تشويه براءة الطفل، إلى جانب اتباع أسلوب الإجبار والإكراه والتربية المتسلطة القائمة على الأوامر والنواهي دون شرح أو توضيح، وكذلك أسلوب المراقبة والتدقيق".

ويضيف الشوربجي: "وكذلك محاسبة الطفل باستمرار على أخطائه الصغيرة والكبيرة ومحاولة تتبع تصرفاته، والتعامل معه بأسلوب حاد وعنيف، فيواجه الأهل هذه الرغبة بالغضب فيؤثر على براءة الطفل وقد يساهم في إلغاء شخصيته، وخوضه في العالم الافتراضي والألعاب الالكترونية".

ويوضح أن قتل براءة الطفل تجعله يفقد متعة المرحلة العمرية التي يعيشها، فتصبح سلوكياته غير سوية وتميل إلى العدوانية أحيانًا، ويفقد عنصر الأمان مما يدفعه للبحث عن ملاذ آمن يجد فيه شخصيته، "وهذا الملاذ قد يكون أصدقاء سوء أو الإنترنت، أو الانطوائية أو التنمر على أقرانه، كما قد يصبح صاحب شخصية مهزوزة تدفعه لسلوكيات أكثر سلبية كالسرقة".

ويلفت الشوربجي إلى أن الآثار تمتد إلى ما بعد مرحلة الطفولة، فالأساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل تجد آثارها على شخصيته في الحاضر والمستقبل، فإفرازات الطفولة تبقى عالقة في ذهنه وتفكيره لفترات طويلة حتى سن متأخر كالعنف ورغبته في إيذاء نفسه والآخرين وغيرها.

الدعم والاهتمام

وينبه الشوربجي إلى أنه يمكن للأهل استعادة براءة الطفل من خلال وسائل مختلفة، من بينها الرقابة على سلوكيات الأبناء دون إفراط، ودعمهم بشكل مناسب والاهتمام برغباتهم من أجل احتوائهم وإشباع عاطفتهم، والاهتمام بأسلوب التربية بالقدوة "فهذا الأسلوب من التربية مهم في صقل شخصية الطفل خاصة أنهم يقلدون ما يشاهدوه من الكبار، والحرص على عدم إقحامهم في المشاكل".

وينصح كذلك الأهل بالاهتمام بالوازع الديني للطفل وربطه منذ الصغر بالمسجد والقرآن، والتركيز على التربية الإيمانية فهي غذاء الروح والفكر، ويوازنون بين براءة الطفل وقوة شخصيته.