بعضهم قنابل موقوتة .. براءة الأطفال يَفتـُك بها العُـنف المتفاقم

بعضهم قنابل موقوتة .. براءة الأطفال يَفتـُك بها العُـنف المتفاقم

بعد وصول نداء استغاثة من أحد الطلاب، هرع مدير المدرسة وبعض المعلمين إلى الصف الخامس، حيث يقف حسن وبيده سكين عليها آثار دماء زميله محمد الذي سقط مغشياً عليه، بعد مشاجرة بسيطة بدأت بعناد بينهما تطوّر الى تدافع وضرب بالأيدي، لكن حسن أسرع الى السكين التي تبيّن أنه يحملها معه دائما، وغرس مقدمتها بفخذ زميله محمد الذي تعافى بعد حين. بالطبع الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تم فصل حسن سنة دراسية مع دفع ذويه (فصل عشائري) انتهى الأمر عند هذا الحد، لكن مَن يضمن توقف الجريمة عند حسن الذي لم يعد ملزماً بالذهاب الى المدرسة الأمر الذي أتاح له مساحة أثــر للحرية.

 

تنمية العنف والسلوك الميداني
الدكتور جليل وادي أستاذ الإعلام في جامعة ديالى يُلخص الحالة في بحث قدمه بخصوص (العنف عند الأطفال) والتي تمخضت عنها الأبحاث الميدانية والنظرية بشأن تأثير العنف في وسائل الإعلام على جمهور الأطفال. إن الأطفال يتعلمون العنف من خلال ملاحظة أشخاص يقومون به في وسائل الإعلام ، هؤلاء الذين يتعرضون لوسائل الإعلام غالبا ما يقلدون العنف الواقعي وليس العنف، معتبرا: حالات الإحباط النفسي الشرط الأساس لتقليد العنف المتعلم من وسائل الإعلام، وان تكرار التعرض لمشاهد العنف في وسائل الإعلام يؤدي الى انعدام الإحساس تجاه العنف والسلوك العدواني بما يجعل الأطفال ميالين الى التسامح مع العنف بكل أنواعه.

أفلام الرعب والقتال !
الباحثة ألاجتماعية إيناس صبحي محمد توضح لـ(المدى) هناك أمور تدفع بالطفل للقيام بالتصرفات غير المقبولة والمتمثلة بالعنف خصوصاً في الآونة الأخيرة وما تمر به البلاد، مشيرة إلى ان هذه الظاهرة ازدادت لتتسع خاصة في المدارس الابتدائية! واستطردت صبحي : ان بعض وسائل الإعلام المرئية قد طغت عليها لغة العنف والترويع والأساليب المختلفة لتقديم أبشع صور العنف ، وهناك الكثير من الاعمال السينمائية والدراما تقدم أعمال عنف تحتوي على لقطات قتالية دموية مثيرة، منوِّهة: ان البعض من الأطفال أخذ يقلد بطل الفلم او المسلسل عما يفعله او الحركة القتالية العنيفة التي قام بها تجاه الآخر.
واضافت الباحثة الاجتماعية إيناس صبحي: ان الطفل بعمر الخامسة الى عشر سنوات يمــر بمرحلة استقبال وتقليد اغلب ما يشاهده او يسمعه، لذا يتطلب الأمر من أولياء الأمور الإنتباه لذلك، مؤكدة: تقدم بعض الفضائيات أفلام الرعب والقتال التي أخذت مأخذاً من وقت أطفالنا وهذا الأمر يؤكده علماء الاجتماع ان أفلام العنف وراء انتشار العنف لدى الأطفال، بل الأمر تعدى هذا حتى وصل العنف و(الأكشن) إلى أفلام الكارتون المفضلة لدى هذه الشريحة في جميع الأوقات.

المعالجات والحلـول
الدكتور الاختصاص بهجت عبدالرضا يوضح لـ(المدى ) أن هناك أسباباً عدة جعلت الزيادة الحاصلة لعنف الاطفال منها داخل البيت، اذ يمارس أحد الأبوين أو كلاهما العنف ضد الطفل أو يعلمه للطفل، معتبراً: ان محيط الدراسة او المجتمع ووجود أطفال يمارسون العنف امام اطفال آخرين، سيدفع الى تقليدهم والاقتياد بهم.
ونوَّه عبدالرضا الى مواد العنف المطروحة في وسائل الإعلام مثل الفيديوات التي توثق العمليات الإرهابية والتعذيب ووجود ألعاب تحرِّض على العنف كالمسدسات والرشاشات في المحال والأسواق العامة، وحتى افلام الكارتون الخاصة بالاطفال هي الأخرى باتت من وسائل بث العنف عند الاطفال! لافتاً: أن هناك أسباباً أخرى مثل الاضطرابات النفسية تدفعه للسلوك العنيف ضد أقرانه الأطفال، موضحا: ان هذه الظاهرة في تصاعد مستمر نتيجة استمرار وتزايد العوامل المؤدية لنشوئها.

أفلام كارتون ولعـب العيــد
وبشأن الحلول والمعالجات التي يتم اتباعها قال د. بهجت عبدالرضا: إن المعالجات والحلول للتصدي لهذه الظاهرة علينا اصدار قوانين صارمة تمنع استيراد وتصنيع الألعاب المحرِّضة على العنف، مستطرداً: من الضروري مراقبة سلوك الطلاب في المدارس الابتدائية خصوصا وتدريب الملاك التعليمي على رصد هذه السلوكيات ومعالجتها بشكل مبكر وفعّال، وتشجيع أولياء الأمور وعموم الناس على مراجعة الطبيب النفسي وعدم اعتبار الامراض النفسية موجبة للخجل، داعياً الى ضرورة مراقبة وسائل الإعلام وفرض قوانين تمنع عرض أفلام الكارتون او مشاهد تحرِّض على العنف.
سبق وأن دعت وزارة الصحة إلى عدم استخدام أسلحة الأطفال خلال أيام العيد منعاً لحدوث إصابات في العيون، مبينة أن العام الماضي شهد تسجيل 200 إصابة في العيون بسبب تلك الألعاب.
وقالت الوزارة في بيان: إن العاب الأطفال المحرِّضة على العنف ذات الاطلاقات البلاستيكية تتسبب في كل عيد بعشرات الإصابات في صفوف الأطفال، مضيفة: إن عيد الفطر في العام الماضي شهد تسجيل أكثر من 200 إصابة، داعية إلى عدم استخدام الأسلحة ومنع تداولها في أيدي الأطفال.

ممارسة العنف ضد الطفل
اما استاذ علم الاجتماع د. معتز سالم فقد اشار في حديثه لـ(المدى) الى أن اتساع ظاهرة ثقافة العنف عند الاطفال فى العراق لها مسببات عدة مثل الإعلام والسلوك داخل البيت والمدرسة والوضع العام الذي يعيشه المجتمع وما يسمع وما يشاهد من قضايا القتل وغيرها والصور المنتشرة في شوارع اغلب مدن البلاد من خلال انتشار العديد من السيطرات والمسلحين. موضحا: أن هناك سبباً آخرا وهو ممارسة العنف ضد الطفل داخل الأسرة نفسها وهذا بتطلب الدفاع عن النفس .
واضاف سالم: لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات من ممارسة العنف ضد الاطفال وهي تتأثر بالثقافة والأخلاق والقيم الاجتماعية فيه ولهذه الظاهرة انعكاسات سلبية على الطفل والأسرة والمجتمع على حــدٍ سواء.
مفهوم العنف وأنواعه : ثمة تعريفات عــدة للعنف منها ما ورد في المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل بأن "أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو الاستغلال كافة، بما في ذلك الإساءة الجنسية."
وفي تقريرها العالمي عن العنف والصحة (2002) تعرِّف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه "الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية ، المهدّد بها أو الفعلية، ضد أي طفل من قبل أي فرد أو جماعة، وتؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل أو لبقائه على قيــد الحياة أو نموه أو كرامته."

الضرب والمنهج الدراسي
الباحثة ألاجتماعية آمنة محمد زيدان تقول لـ( المدى ) إن مشكلة اتساع موجة ثقافة العنف عند الطفل معروفة ومشخَّصة في كل مكان ولها اسبابها ومنها الضرب من قبل الهيئات التعليمية داخل المدرسة بالرغم من منع وزارة التربية ممارسة هذه الأعمال أياً كان السبب، مبينة: إن الطفل العراقي يعيش في ظروف غير طبيعة منها مشهد الحروب والعنف الأسري والعنف وطريقة العقاب داخل المدرسة.
في حين يرى الحقوقي احمد الدليمي بحديثه لـ(المدى) أن التخلص من آفة العنف المدرسي تتطلب تعاونا مشتركا بين الآباء والمعلمين، من خلال التعامل المدروس والسليم مع الوضع النفسي للطلبة الصغار، والعمل على توفير الأجواء الدراسية الصحيحة لهم، مسترسلا: كذلك هناك متطلبات مادية ينبغي توفيرها لهم، وهذه مسؤولية الآباء بالدرجة الاولى، فلا يجوز محاسبة الابناء على تقصير أو خطأ معين، في حين لا يتنبّـه الآبـاء الى أخطائهم.
واستدرك الدليمي: أما المعلمون فمطلوب منهم التمسك بالمنهج التربوي الخالي من العنف، واللجوء الى اساليب معاصرة تتفهم اوضاع الطلاب، واحتياجاتهم في الجانبين المادي والنفسي، مضيفاً: في هذه الحالة يمكن ان يثمر التعاون بين الآباء والمعلمين. اما المدرس وسام عبدالجبار فقد أوضح: أن هناك أعداداً من الطلبة غير منضبطين اصلاً وأهلهم غير قادرين على السيطرة على سلوكهم وان حضورهم الى المدرسة هو التخلص منهم لعدد من الساعات ومن مشاكلهم. منوِّهاً: ان وجود هؤلاء الطلبة غير المنضبطين قد أثر على العديد من الطلبة المجتهدين الذين يمتلكون جميع المواصفات الحسنة والسلوك المسالم.
مشاهدة أفلام الكارتون أو ألعاب البلاي ستيشن، التي تحتوى على مشاهد عنيفة، قد يكسب الطفل تلك العادة، وهذا ما تلمَّسه ابو سيف العائد من عمله، اذ وجد ولديه يتقاتلان على طريقة احد افلام الأكشن، حيث ضرب ولده الأكبر شقيقه ضربة موجعة على صدره، مقلداً بطل الفلم. ولولا صوت والده لحدث ما لا يُحمد عقباه. علامات التعجب ظلت على محيا أبي سيف الذي عرف ان ولده يمارس هذه الالعاب في المدرسة ايضا مع بعض زملائه.

الحروب والنزاعات
المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة د. عماد عبدالرزاق أوضح لـ(المدى) ان ظاهرة العنف عند الاطفال أتسعت بشكل ملحوظ وهناك العديد من العوامل المؤثرة في هذا الخصوص، منها الحروب والنزاعات و الاحداث التي عاشتها البلاد بعد عام 2003 وتعيشها إلى الآن ومشهد العنف المستمر سواء في وسائل ألإعلام أو ما يسمعه الطفل، معتبرا: ان هذه المشاهد تولد اضطرابات نفسية عند الطفل وهناك ايضاً اعداد كبيرة من الأيتام فقدوا ذويهم بسبب العنف او نتيجة العمليات الإرهابية.

غياب البحوث
وأشار عبدالرزاق: إن هذه العوامل التي يعيشها الطفل تسبب وضعا نفسيا قد يتأثر البعض من الأطفال في حال ترك ذويهم لهم ، أو وفاة أحدهما نتيجة أعمال العنف. مضيفا: من خلال تواجد مركزين خاصة بالامراض النفسية فى جانبي الرصافة والكرخ نلاحظ استجابة العديد من أصحاب العوائل الى عرض أطفالهم على اختصاصي الأمراض النفسية بغية المتابعة وتجاوز أزمته النفسية.
وبشأن البحوث العلمية والإحصائيات الخاصة بظاهرة العنف عند الاطفال ذكر المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة: نفتقر الى وجود بحوث علمية فى هذا المجال خصوصاً في مجال العنف عند الاطفال ونسبة الزيادة الحاصلة فيه ، اذ لم تتمكن دائرة البحوث العلمية من تقديم أي بحث في هذا الخصوص مشيراً: ان منظمة الصحة العالمية ومن خلال مكتب المستشار الوطني للصحة النفسية يعملان على تقديم دراسة حول الاضطرابات النفسية عند الأطفال النازحين، لكن هذه متوقفة بسبب قلــة الدعم المالي.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top